المواضيع الأخيرة
بدعة (التفسير السياسي للدين) والفتن التي تلزم منها ..
صفحة 1 من اصل 1
بدعة (التفسير السياسي للدين) والفتن التي تلزم منها ..
بدعة (التفسير السياسي للدين) والفتن التي تلزم منها ..
د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
تمهيد(ملخص الدراسة): تبين الدراسة أن مذهب التفسير السياسي للدين ( الذي يتطرف في إثبات العلاقة بين الدين والسياسة، إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط ووحده ) هو بدعه في ذاته" اى يستند إلى مفاهيم بدعية " وفيما يلزم منه " اى يلزم منه مفاهيم بدعية "، وهذه البدعيه متحققة في هذا المذهب على مستويين :المستوى الأول هو الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد ، من خلال عدم التزامه بضوابطها الشرعية ، المستوى الثاني هو مخالفه مذهب أهل السنة في الامامه . ثم تبين الدراسة أن من أهم أسباب الفتن البدع ، ومن ثم فانه يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين - باعتبار بدعيته - العديد من الفتن ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :فتنه التفرق ، فتنه الرجل في الدين وبيعه الدين بعرض الدنيا ، وفتنه الائمه المضلين ، وفتنه الهرج، وفتنه الشبهات. ثم تشير الدراسة الى بعض الوسائل الشرعية لدرء الفتن كالوحدة ونبذ التفرق و لزوم الجماعة و تعظيم حرمات المسلمين (دمائهم ومالهم وأعراضهم). وأخيرا تبين الدراسة أن الالتزام بهذه الوسائل الشرعية لدرء الفتن ،يقتضى تجاوز مذهب التفسير السياسي للدين، الذي يلزم منه العديد من هذه الفتن ،كما يستند إلى - ويلزم منه - العديد من المفاهيم البدعيه، التي هي نقيض هذه الوسائل الشرعية .كما يقتضى الالتزام بالتفسير الديني للسياسة- الذي عبر عنه علماء أهل السنة بمصطلح السياسة الشرعية – والذي يقوم على الالتزام بالضوابط الشرعية للمفاهيم والقيم والقواعد ، ويوافق مذهب أهل السنة، القائم على الضبط الشرعي لهذه المفاهيم والقيم والقواعد.
أولا: تعريف مذهب التفسير السياسي للدين:التفسير السياسي للدين هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، يقوم على إثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط و وحده ، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين، بينما الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع ،اى أن الدين بالنسبة للسياسة هو بمثابة الكل للجزء يحده فيكمله ولكن لا يلغيه، ومرجع هذا التطرف في الإثبات أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية نفت اى علاقة للدين بالسياسة.وقد استخدم البعض مصطلح الإسلام السياسي للتعبير عن هذا المذهب، لكن - وكما أشار الكثير من الباحثين - هناك الكثير من الإشكاليات المتعلقة بالمصطلح ، فالمصطلح يوحى بأنه ليس ثمة إسلام واحد ، وانه ثمة إسلام سياسي وآخر غير سياسي ، فضلا عن نسبه الأصل(الإسلام) إلى الفرع(السياسة)، لذا نفضل استخدام مصطلح "التفسير السياسي للدين" وليس مصطلح" الإسلام السياسي"، مع ملاحظه أن المصطلح الأخير يصدق في وصف احد الأخطاء التي وقع فيها مذهب التفسير السياسي للدين ، وهو نسبه الأصل (الإسلام)إلى الفرع(السياسة) وليس العكس.
ثانيا: بدعية مذهب التفسير السياسي للدين :هذا المذهب هو بدعه في ذاته" اى يستند إلى مفاهيم بدعية " وفيما يلزم منه " اى يلزم منه – منطقيا - مفاهيم بدعية ". وهذه البدعيه متحققة في هذا المذهب على مستويين :
المستوى الأول:الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد: فهذا المذهب يقوم أولا على الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد ، من خلال عدم التزامه بضوابطها الشرعية، وبالتالي تحويلها من فرع من فروع الدين " مصدره نص ظني الورود والدلالة" ، إلى أصل من أصول الدين " يشترط أن يكون مصدره نص يقيني الورود والدلالة" ، هذا الإطلاق البدعى نجد الاشاره إليه في تعريف العلماء للبدعة بأنها أضافه إلى أصول الدين ، دون دليل شرعي" نص يقيني الورود قطعي الدلالة" ، يقول ابن رجب الحنبلي عن البدعة (ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه ...)( جامع العلوم والحكم ، لابن رجب الحنبلي ، ص 160 ) .
المستوى الثاني : مخالفه مذهب أهل السنة:كما أن هذا المذهب يخالف مذهب أهل السنة ( القائم على الضبط الشرعي للمفاهيم والقيم والقواعد ، ونجد جذوره في مذاهب أهل البدع ( القائمة على الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد).
ا/ المفاهيم التي يستند إليها المذهب وبدعيتها:ويستند مذهب التفسير السياسي للدين إلى العديد من المفاهيم البدعيه، واهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه أصل من أصول الدين :
الامامه" السلطة" أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه: حيث أن هذا المذهب يقوم على الإطلاق البدعى لمفهوم الامامه " بمعنى السلطة" ، من خلال تحويلها من فرع من فروع الدين إلى أصل من أصوله، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه ، والقائم على أن الامامه " بمعنى السلطة" هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها ، بل لَعَمري إنّ المعرض عنها لأَرجى من الواغل فيها ؛ فإنّها قَلّما تنفك عن التعصّب والأهواء ، وإثارة الفتن والشحناء ، والرجم بالغيب في حق الأئمة والسَّلَف بالإزراء ، وهذا مع كون الخائض فيها سالكاً سبيل التحقيق ، فكيف إذا كان خارجاً عن سواء الطريق ، لكن لمَّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين ، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأُصوليين ، لم نَرَ من الصواب خَرْق العادة بِتَرْك ذكرِها في هذا الكتاب ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363) . ويقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا ) (المواقف : ص 395) . ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثمّ إنّها مثار للتعصبات ، والمُعْرِض عن الخوض فيها ، أسلم من الخائض فيها ، وإن أصاب ، فكيف إذا أخطأ؟ ، ولكن إذ جرى الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد ؛ فإنّ فطام القلوب عن المنهج ، المخالف للمألوف ، شديد النِّفار ) (الاقتصاد في الاعتقاد : ص 234) . ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق ، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ، ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة ، من فروض الكفايات ، وهي أُمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا ينتظم الأمر إلاّ بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كلّ أحد . ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الإعتقادية ) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271). وهذا الإطلاق البدعى لمفهوم الامامه " السلطة" ، من خلال تحويل الامامه " بمعنى السلطة " من فرع من فروع الدين إلى أصل من أصوله ، نجد جذوره في مذهب الشيعة ، حيث ينقل الشيعة عن أبي جعفر انه قال( بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال:" الولاية أفضل " … " أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية الله في وليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان )( الكافي ، 2/16، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام).
ب/ المفاهيم التي تلزم من المذهب وبدعيتها : ويلزم من مذهب التفسير السياسي للدين العديد من المفاهيم البدعيه ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
تكفير المخالف:يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين تكفير المخالف في المذهب ، ومن أشكاله التكفير على أساس سياسي ، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186)، وبناء على هذا فان مذهب اهل السنه يبيح الخلاف السياسي ، باعتبار أن السياسة (الامامه) من فروع الدين وليست من أصوله، وترجع جذور مذهب تكفير المخالف فى المذهب الى الخوارج .
اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين:
كما يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين، وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام: 159]. ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]...و قد ربط علماء أهل السنة بين الاختلاف على مستوى أصول الدين و البدعه، يقول ابن تيمية ) والبدعة مقرونة بالفرقة , كما أن السنة مقرونة بالجماعة , فيقال : أهل السنة والجماعة , كما يقال : أهل البدعة والفرقة ( (الإستقامة1/42)،ويقول الشاطبي ( الفرقة من أخس أوصاف المبتدعة)( الاعتصام 1/113 ) ، ويقول بن المبارك (أهل الحق ليس فيهم اختلاف)( جامع البيان 12/85(،
التعصب المذهبي:كما يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين التعصب المذهبي الذي ذمه علماء أهل السنة، يقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232).
ثالثا: الفتن التي تلزم من مذهب التفسير السياسي للدين
تعريف الفتن: الفتن جمع فتنة ، واصلها اللغوى يتصل بمعنى الابتلاء والامتحان، (
قال الأزهري وغيره : وجماع الفتن: الابتلاء والامتحان والاختبار , واصلها مأخوذ من قولك : فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار , لتميز ألردي من الجيد)( لسان العرب :ص 3344- مادة فتن). ، ويطلق لفظ الفتن أيضا على معنى :الوقوع في المكروه و الكفر و العذاب و الإحراق بالنار و القتل و الصد عن سبيل الله و الضلال( يقول ابنُ الأعرابي " الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر والشرك، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنّار (لسان العرب لابن منظور). وقد ورد لفظ الفتنه فى القران الكريم بذات المعاني السابقة ، فقد ورد بمعنى: الكفر والشرك كما فى قوله تعالى تعالى ( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل)، وبمعنى الابتلاء والاختبار كما في قوله تعالى: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) ، وبمعنى الإضلال كما في قوله تعالى: ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، وبمعنى الإحراق بالنار كما فى قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)..
البدع من أسباب الفتن : وقد أشار العلماء- استنادا إلى النصوص - إلى الكثير من أسباب الفتن ومن اهم هذه الأسباب البدع يقول الإمام ابن تيمية (.... ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك، ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشايخها، ومن تبعهم من العامة من الفتن: هذا أصلها، يدخل في ذلك أسباب الضلال والغي: التي هي الأهواء الدينية والشهوانية، وهي البدع في الدين والفجور في الدنيا، وذلك أن أسباب الضلال والغي البدع في الدين، والفجور في الدنيا، وهي مشتركة: تعم بني آدم، لما فيهم من الظلم والجهل)
الفتن التي تلزم من مذهب التفسير السياسي للدين :ومذهب التفسير السياسي للدين باعتبار بدعيته يلزم منه العديد من الفتن ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
فتنه التفرق:كما سبق ذكره فانه يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين، وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).وهو هنا يلزم منه فتنه التفرق التي أشار اليها الإمام ابن تيمية فى قوله (وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا).
الفتنه في الدين وبيع الدين بعرض الدنيا:وكما سبق ذكره أيضا فان مذهب التفسير السياسي للدين ،يتطرف في إثبات العلاقة بين الدين والدولة، إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط و وحده ، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين، بينما الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع ،وهو هنا يلزم منه فتنه الرجل فى دينه والتي تتضمن بيعه للدين بعرض الدنيا ،والتي أشار إليها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قوله ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ).
فتنه الائمه المضلين: وكما سبق ذكره أيضا فان مذهب التفسير السياسي للدين ، يقوم على الإطلاق البدعى للمفاهيم ،ومفارقه الضبط الشرعي لها ، وهنا يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين فتنه الائمه المضلين ، و هم كل متبوع بلا دليل شرعي، سواء كان عالم أو حاكم أو رئيس فرقه، وهذا الإتباع بلا دليل يلزم منه الضلال والإطلاق البدعى، ومفارقه الهدايه والضبط الشرع..وقد أشارت النصوص إلى أنهم أخوف على الامه من الدجال ، فقد ورد من حديث عمر بن الخطاب و أبي الدرداء و أبي ذر الغفاري و ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) و شداد بن أوس و علي ابن أبي طالب . كنت مخاصر النبي (صلى الله عليه وسلم) يوما إلى منزله فسمعته يقول : غير الدجال أخوف على أمتى من الدجال . فلما خشيت أن يدخل قلت : يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من الدجال ؟ قال : الأئمة المضلين)(الراوي : أبو ذر الغفاري/ المحدث : الألباني / المصدر : السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم ( 4/110 ، وفي مسند الفاروق عن زياد بن حدير بسند صحيح: (قال لي عمر بن الخطاب: يا زياد هل تدري ما يهدم دعائم الإسلام؟ قلت: لا. قال: زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلين) (روي من طرق جيدة، وصحّح سنده الألباني في تخريج مشكاة المصابيح)..
فتنه الهرج:كما أن قطاع من مذهب التفسير السياسي للدين ، يرى أن أسلوب التغيير هو القوه المسلحة ، مع عدم التزامه بالضوابط الشرعية للقتال ، التي بها يصبح جهادا، وهو ما يلزم منه فتنه الهرج ، والتي مضمونها الإطلاق البدعى للقتال ، بعدم الالتزام بضوابطه الشرعية ، وقد وردت الاشاره إليها في كثير من النصوص ،منها قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ( يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل )( متفق عليه) ..
فتنه الشبهات:وكما سبق ذكره فان مذهب التفسير السياسي للدين هو بدعه في ذاته " المفاهيم التي يستند إليها " وفيما يلزم منه "اى المفاهيم التي تلزم منه "، وهنا يلزم منه فتنه الشبهات التي أشار إليها الإمام ابن القيم في قوله ( الفتنـة نوعـان فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما...فـفتنـــة الشبهــــات : من ضعف البصيرة وقلة العلم، ولا سيّما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى...وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال) .
درء الفتن والتزام بالتفسير الديني للسياسة " السياسة الشرعية" : وقد أشار علماء أهل السنة إلى الوسائل الشرعية لدرء الفتن، والتي أشارت إليها النصوص ومنها :
ا/الوحدة ونبذ التفرق :قال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(آل عمران103).
ب/ لزوم الجماعة: عن حذيفة بن اليمان ( رضي الله عنه ) قال : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير،وكنت أسأله عن الشر مخافة ان يدركني فقلت : ( يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر , فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم , قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم , وفيه دخن , قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر , قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم , دعاة على أبواب جهنم من اجابهم إليها قذفوه فيها , قلت : يا رسول الله صفهم لنا , قال : هم من جلدتنا ويتكلمونا بألسنتنا , قلت : فما تأمرني ان ادركني ذلك؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم , قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها , ولوان تعض بأصل شجرة , حتى يدركك الموت وانت على ذلك )( رواه البخاري).
ج/ تعظيم حرمات المسلمين (دمائم ومالهم واعراضهم..):
قال تعالى(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )( النساء93)، وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله خطب الناس يوم عرفة فقال ( إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا) .
والالتزام بهذه الوسائل الشرعية لدرء الفتن يقتضى تجاوز مذهب التفسير السياسي للدين، الذي يلزم منه العديد من هذه الفتن ،كما يستند إلى - ويلزم منه - العديد من المفاهيم البدعيه التي هي نقيض هذه الوسائل الشرعية .كما يقتضى الالتزام بالتفسير الديني للسياسة- الذي عبر عنه علماء أهل السنة بمصطلح السياسة الشرعية – والذي يقوم على الالتزام بالضوابط الشرعية للمفاهيم والقيم والقواعد ، ويوافق مذهب أهل السنة، القائم على الضبط الشرعي لهذه المفاهيم والقيم والقواعد
د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
sabri.m.khalil@hotmail.com
تمهيد(ملخص الدراسة): تبين الدراسة أن مذهب التفسير السياسي للدين ( الذي يتطرف في إثبات العلاقة بين الدين والسياسة، إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط ووحده ) هو بدعه في ذاته" اى يستند إلى مفاهيم بدعية " وفيما يلزم منه " اى يلزم منه مفاهيم بدعية "، وهذه البدعيه متحققة في هذا المذهب على مستويين :المستوى الأول هو الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد ، من خلال عدم التزامه بضوابطها الشرعية ، المستوى الثاني هو مخالفه مذهب أهل السنة في الامامه . ثم تبين الدراسة أن من أهم أسباب الفتن البدع ، ومن ثم فانه يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين - باعتبار بدعيته - العديد من الفتن ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر :فتنه التفرق ، فتنه الرجل في الدين وبيعه الدين بعرض الدنيا ، وفتنه الائمه المضلين ، وفتنه الهرج، وفتنه الشبهات. ثم تشير الدراسة الى بعض الوسائل الشرعية لدرء الفتن كالوحدة ونبذ التفرق و لزوم الجماعة و تعظيم حرمات المسلمين (دمائهم ومالهم وأعراضهم). وأخيرا تبين الدراسة أن الالتزام بهذه الوسائل الشرعية لدرء الفتن ،يقتضى تجاوز مذهب التفسير السياسي للدين، الذي يلزم منه العديد من هذه الفتن ،كما يستند إلى - ويلزم منه - العديد من المفاهيم البدعيه، التي هي نقيض هذه الوسائل الشرعية .كما يقتضى الالتزام بالتفسير الديني للسياسة- الذي عبر عنه علماء أهل السنة بمصطلح السياسة الشرعية – والذي يقوم على الالتزام بالضوابط الشرعية للمفاهيم والقيم والقواعد ، ويوافق مذهب أهل السنة، القائم على الضبط الشرعي لهذه المفاهيم والقيم والقواعد.
أولا: تعريف مذهب التفسير السياسي للدين:التفسير السياسي للدين هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، يقوم على إثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا الإثبات إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط و وحده ، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين، بينما الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع ،اى أن الدين بالنسبة للسياسة هو بمثابة الكل للجزء يحده فيكمله ولكن لا يلغيه، ومرجع هذا التطرف في الإثبات أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية نفت اى علاقة للدين بالسياسة.وقد استخدم البعض مصطلح الإسلام السياسي للتعبير عن هذا المذهب، لكن - وكما أشار الكثير من الباحثين - هناك الكثير من الإشكاليات المتعلقة بالمصطلح ، فالمصطلح يوحى بأنه ليس ثمة إسلام واحد ، وانه ثمة إسلام سياسي وآخر غير سياسي ، فضلا عن نسبه الأصل(الإسلام) إلى الفرع(السياسة)، لذا نفضل استخدام مصطلح "التفسير السياسي للدين" وليس مصطلح" الإسلام السياسي"، مع ملاحظه أن المصطلح الأخير يصدق في وصف احد الأخطاء التي وقع فيها مذهب التفسير السياسي للدين ، وهو نسبه الأصل (الإسلام)إلى الفرع(السياسة) وليس العكس.
ثانيا: بدعية مذهب التفسير السياسي للدين :هذا المذهب هو بدعه في ذاته" اى يستند إلى مفاهيم بدعية " وفيما يلزم منه " اى يلزم منه – منطقيا - مفاهيم بدعية ". وهذه البدعيه متحققة في هذا المذهب على مستويين :
المستوى الأول:الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد: فهذا المذهب يقوم أولا على الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد ، من خلال عدم التزامه بضوابطها الشرعية، وبالتالي تحويلها من فرع من فروع الدين " مصدره نص ظني الورود والدلالة" ، إلى أصل من أصول الدين " يشترط أن يكون مصدره نص يقيني الورود والدلالة" ، هذا الإطلاق البدعى نجد الاشاره إليه في تعريف العلماء للبدعة بأنها أضافه إلى أصول الدين ، دون دليل شرعي" نص يقيني الورود قطعي الدلالة" ، يقول ابن رجب الحنبلي عن البدعة (ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه ...)( جامع العلوم والحكم ، لابن رجب الحنبلي ، ص 160 ) .
المستوى الثاني : مخالفه مذهب أهل السنة:كما أن هذا المذهب يخالف مذهب أهل السنة ( القائم على الضبط الشرعي للمفاهيم والقيم والقواعد ، ونجد جذوره في مذاهب أهل البدع ( القائمة على الإطلاق البدعى للمفاهيم والقيم والقواعد).
ا/ المفاهيم التي يستند إليها المذهب وبدعيتها:ويستند مذهب التفسير السياسي للدين إلى العديد من المفاهيم البدعيه، واهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه أصل من أصول الدين :
الامامه" السلطة" أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه: حيث أن هذا المذهب يقوم على الإطلاق البدعى لمفهوم الامامه " بمعنى السلطة" ، من خلال تحويلها من فرع من فروع الدين إلى أصل من أصوله، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه ، والقائم على أن الامامه " بمعنى السلطة" هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها ، بل لَعَمري إنّ المعرض عنها لأَرجى من الواغل فيها ؛ فإنّها قَلّما تنفك عن التعصّب والأهواء ، وإثارة الفتن والشحناء ، والرجم بالغيب في حق الأئمة والسَّلَف بالإزراء ، وهذا مع كون الخائض فيها سالكاً سبيل التحقيق ، فكيف إذا كان خارجاً عن سواء الطريق ، لكن لمَّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين ، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأُصوليين ، لم نَرَ من الصواب خَرْق العادة بِتَرْك ذكرِها في هذا الكتاب ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363) . ويقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا ) (المواقف : ص 395) . ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ، ثمّ إنّها مثار للتعصبات ، والمُعْرِض عن الخوض فيها ، أسلم من الخائض فيها ، وإن أصاب ، فكيف إذا أخطأ؟ ، ولكن إذ جرى الرسم باختتام المعتقدات بها ، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد ؛ فإنّ فطام القلوب عن المنهج ، المخالف للمألوف ، شديد النِّفار ) (الاقتصاد في الاعتقاد : ص 234) . ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق ، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ، ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة ، من فروض الكفايات ، وهي أُمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية ، لا ينتظم الأمر إلاّ بحصولها ، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كلّ أحد . ولا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الإعتقادية ) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271). وهذا الإطلاق البدعى لمفهوم الامامه " السلطة" ، من خلال تحويل الامامه " بمعنى السلطة " من فرع من فروع الدين إلى أصل من أصوله ، نجد جذوره في مذهب الشيعة ، حيث ينقل الشيعة عن أبي جعفر انه قال( بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال:" الولاية أفضل " … " أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية الله في وليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان )( الكافي ، 2/16، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام).
ب/ المفاهيم التي تلزم من المذهب وبدعيتها : ويلزم من مذهب التفسير السياسي للدين العديد من المفاهيم البدعيه ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
تكفير المخالف:يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين تكفير المخالف في المذهب ، ومن أشكاله التكفير على أساس سياسي ، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186)، وبناء على هذا فان مذهب اهل السنه يبيح الخلاف السياسي ، باعتبار أن السياسة (الامامه) من فروع الدين وليست من أصوله، وترجع جذور مذهب تكفير المخالف فى المذهب الى الخوارج .
اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين:
كما يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين، وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) [الأنعام: 159]. ويقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]...و قد ربط علماء أهل السنة بين الاختلاف على مستوى أصول الدين و البدعه، يقول ابن تيمية ) والبدعة مقرونة بالفرقة , كما أن السنة مقرونة بالجماعة , فيقال : أهل السنة والجماعة , كما يقال : أهل البدعة والفرقة ( (الإستقامة1/42)،ويقول الشاطبي ( الفرقة من أخس أوصاف المبتدعة)( الاعتصام 1/113 ) ، ويقول بن المبارك (أهل الحق ليس فيهم اختلاف)( جامع البيان 12/85(،
التعصب المذهبي:كما يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين التعصب المذهبي الذي ذمه علماء أهل السنة، يقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232).
ثالثا: الفتن التي تلزم من مذهب التفسير السياسي للدين
تعريف الفتن: الفتن جمع فتنة ، واصلها اللغوى يتصل بمعنى الابتلاء والامتحان، (
قال الأزهري وغيره : وجماع الفتن: الابتلاء والامتحان والاختبار , واصلها مأخوذ من قولك : فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار , لتميز ألردي من الجيد)( لسان العرب :ص 3344- مادة فتن). ، ويطلق لفظ الفتن أيضا على معنى :الوقوع في المكروه و الكفر و العذاب و الإحراق بالنار و القتل و الصد عن سبيل الله و الضلال( يقول ابنُ الأعرابي " الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر والشرك، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنّار (لسان العرب لابن منظور). وقد ورد لفظ الفتنه فى القران الكريم بذات المعاني السابقة ، فقد ورد بمعنى: الكفر والشرك كما فى قوله تعالى تعالى ( وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل)، وبمعنى الابتلاء والاختبار كما في قوله تعالى: ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) ، وبمعنى الإضلال كما في قوله تعالى: ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، وبمعنى الإحراق بالنار كما فى قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)..
البدع من أسباب الفتن : وقد أشار العلماء- استنادا إلى النصوص - إلى الكثير من أسباب الفتن ومن اهم هذه الأسباب البدع يقول الإمام ابن تيمية (.... ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك، ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشايخها، ومن تبعهم من العامة من الفتن: هذا أصلها، يدخل في ذلك أسباب الضلال والغي: التي هي الأهواء الدينية والشهوانية، وهي البدع في الدين والفجور في الدنيا، وذلك أن أسباب الضلال والغي البدع في الدين، والفجور في الدنيا، وهي مشتركة: تعم بني آدم، لما فيهم من الظلم والجهل)
الفتن التي تلزم من مذهب التفسير السياسي للدين :ومذهب التفسير السياسي للدين باعتبار بدعيته يلزم منه العديد من الفتن ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
فتنه التفرق:كما سبق ذكره فانه يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين، وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).وهو هنا يلزم منه فتنه التفرق التي أشار اليها الإمام ابن تيمية فى قوله (وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا).
الفتنه في الدين وبيع الدين بعرض الدنيا:وكما سبق ذكره أيضا فان مذهب التفسير السياسي للدين ،يتطرف في إثبات العلاقة بين الدين والدولة، إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط و وحده ، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجه من الدين، حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين، بينما الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع ،وهو هنا يلزم منه فتنه الرجل فى دينه والتي تتضمن بيعه للدين بعرض الدنيا ،والتي أشار إليها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قوله ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ).
فتنه الائمه المضلين: وكما سبق ذكره أيضا فان مذهب التفسير السياسي للدين ، يقوم على الإطلاق البدعى للمفاهيم ،ومفارقه الضبط الشرعي لها ، وهنا يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين فتنه الائمه المضلين ، و هم كل متبوع بلا دليل شرعي، سواء كان عالم أو حاكم أو رئيس فرقه، وهذا الإتباع بلا دليل يلزم منه الضلال والإطلاق البدعى، ومفارقه الهدايه والضبط الشرع..وقد أشارت النصوص إلى أنهم أخوف على الامه من الدجال ، فقد ورد من حديث عمر بن الخطاب و أبي الدرداء و أبي ذر الغفاري و ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) و شداد بن أوس و علي ابن أبي طالب . كنت مخاصر النبي (صلى الله عليه وسلم) يوما إلى منزله فسمعته يقول : غير الدجال أخوف على أمتى من الدجال . فلما خشيت أن يدخل قلت : يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من الدجال ؟ قال : الأئمة المضلين)(الراوي : أبو ذر الغفاري/ المحدث : الألباني / المصدر : السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم ( 4/110 ، وفي مسند الفاروق عن زياد بن حدير بسند صحيح: (قال لي عمر بن الخطاب: يا زياد هل تدري ما يهدم دعائم الإسلام؟ قلت: لا. قال: زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلين) (روي من طرق جيدة، وصحّح سنده الألباني في تخريج مشكاة المصابيح)..
فتنه الهرج:كما أن قطاع من مذهب التفسير السياسي للدين ، يرى أن أسلوب التغيير هو القوه المسلحة ، مع عدم التزامه بالضوابط الشرعية للقتال ، التي بها يصبح جهادا، وهو ما يلزم منه فتنه الهرج ، والتي مضمونها الإطلاق البدعى للقتال ، بعدم الالتزام بضوابطه الشرعية ، وقد وردت الاشاره إليها في كثير من النصوص ،منها قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ( يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل )( متفق عليه) ..
فتنه الشبهات:وكما سبق ذكره فان مذهب التفسير السياسي للدين هو بدعه في ذاته " المفاهيم التي يستند إليها " وفيما يلزم منه "اى المفاهيم التي تلزم منه "، وهنا يلزم منه فتنه الشبهات التي أشار إليها الإمام ابن القيم في قوله ( الفتنـة نوعـان فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما...فـفتنـــة الشبهــــات : من ضعف البصيرة وقلة العلم، ولا سيّما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى...وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال) .
درء الفتن والتزام بالتفسير الديني للسياسة " السياسة الشرعية" : وقد أشار علماء أهل السنة إلى الوسائل الشرعية لدرء الفتن، والتي أشارت إليها النصوص ومنها :
ا/الوحدة ونبذ التفرق :قال تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(آل عمران103).
ب/ لزوم الجماعة: عن حذيفة بن اليمان ( رضي الله عنه ) قال : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير،وكنت أسأله عن الشر مخافة ان يدركني فقلت : ( يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر , فجاءنا الله بهذا الخير , فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم , قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم , وفيه دخن , قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي , تعرف منهم وتنكر , قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم , دعاة على أبواب جهنم من اجابهم إليها قذفوه فيها , قلت : يا رسول الله صفهم لنا , قال : هم من جلدتنا ويتكلمونا بألسنتنا , قلت : فما تأمرني ان ادركني ذلك؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم , قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها , ولوان تعض بأصل شجرة , حتى يدركك الموت وانت على ذلك )( رواه البخاري).
ج/ تعظيم حرمات المسلمين (دمائم ومالهم واعراضهم..):
قال تعالى(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )( النساء93)، وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله خطب الناس يوم عرفة فقال ( إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا , في بلدكم هذا) .
والالتزام بهذه الوسائل الشرعية لدرء الفتن يقتضى تجاوز مذهب التفسير السياسي للدين، الذي يلزم منه العديد من هذه الفتن ،كما يستند إلى - ويلزم منه - العديد من المفاهيم البدعيه التي هي نقيض هذه الوسائل الشرعية .كما يقتضى الالتزام بالتفسير الديني للسياسة- الذي عبر عنه علماء أهل السنة بمصطلح السياسة الشرعية – والذي يقوم على الالتزام بالضوابط الشرعية للمفاهيم والقيم والقواعد ، ويوافق مذهب أهل السنة، القائم على الضبط الشرعي لهذه المفاهيم والقيم والقواعد
صبرى محمد خليل خيرى- عضو صاعد
- البلد : السودان
الجنس : عدد المساهمات : 2
نقاط : 3478
المحبة : 2
تاريخ التسجيل : 21/05/2015
العمر : 59
مواضيع مماثلة
» الشروط التي تتوفر في معلم الموسيقى
» المشكلات التي تواجه التعليم الموسيقي في السودان
» الاسس التي تبنى عليها مناهج الموسيقى
» المشكلات التي تواجه التعليم الموسيقي في السودان
» الاسس التي تبنى عليها مناهج الموسيقى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء يوليو 30, 2024 5:07 pm من طرف رجاء موسى
» التواصل الموسيقي بين السودان مصر
الجمعة يوليو 19, 2024 4:23 pm من طرف رجاء موسى
» وداعا بروف سعاد الفاتح البدوي
الأحد ديسمبر 25, 2022 12:30 am من طرف رجاء موسى
» المقامية الموسيقية العربية في الطرب السوداني
الأحد ديسمبر 18, 2022 12:39 am من طرف رجاء موسى
» دفعتي... تشيلكم عافيتكم
الأحد يوليو 24, 2022 7:43 pm من طرف رجاء موسى
» سيرة ذاتية.. د. رجاء موسى عبد الله
الثلاثاء يوليو 12, 2022 3:51 pm من طرف رجاء موسى
» تو صيف مقرر نشاط موسيقى لطلاب كلية التربية مرحلة الاساس - جامعة الزعيم الازهري
الجمعة أكتوبر 08, 2021 4:29 pm من طرف رجاء موسى
» عديلة وزين
الثلاثاء أغسطس 04, 2020 4:36 pm من طرف رجاء موسى
» مؤتمر المرأة الإفريقيةأيقونة القارة السمراء
الأحد أبريل 12, 2020 10:08 pm من طرف رجاء موسى
» مؤتمر المرأة الإفريقيةأيقونة القارة السمراء
الأربعاء أبريل 08, 2020 8:13 pm من طرف رجاء موسى
» مقترح هيكل الأنشطة الموسيقية والمسرحية ( قسم التربية الموسيقية)
الأحد مارس 15, 2020 5:24 pm من طرف رجاء موسى
» بناء السلام وتعزيز الاقتصاد من خلال الثقافة والتراث
السبت مارس 07, 2020 12:17 am من طرف رجاء موسى
» كتاب نسمة من الجنوب ( علي عثمان الحاج)
الأحد ديسمبر 01, 2019 2:19 am من طرف رجاء موسى
» توصيف مقررات آلة الكلارنيت - قسم الموسيقى - شعبة الآلات
الإثنين نوفمبر 11, 2019 3:32 am من طرف رجاء موسى
» اليوم العالمي لموسيقى ( الشباب)
السبت نوفمبر 09, 2019 9:30 pm من طرف رجاء موسى