البحث عن الجنون

«في معركة الحب لا منتصر ولا مهزوم، إما أن ننتصر معاً أو ننهزم معاً»

ألفريد دي موسيه


مذ خبأ رسائله وصوره وأوراقه في تلك الحقيبة الجلدية المهترئة، ورماها فوق ظهر الخزانة… كان قد اتخذ قراره الجدي الحاسم: البحث عن النسيان!

كان ينـوي أن يختبئ بحاضره ومستقبله من ذلك الماضي، أن يفرّ هارباً من خيالاته وأطيافه وساديته التي تطارده في صحوه ومنامه، لائذاً بهوة سحيقة وحصينة ضد زمن معلق في العدم، وذاكرة يأمل لها أن تسبح في فراغ.

لم يكن يدرك أنه كان يحتفظ بقنبلة موقوتة تهدد حياته بالانفجار في أية لحظة، منتظرة حماقة ما، أو مصادفة ما، أو خيانة ما!

لم يكن يدرك أنه سيعود في لحظة حنين جارفة، وشجن طارئ لكي ينبش حقل ألغام طالما زرعه بيده، فإذا به الآن تتوالى مفاجآته مع كل ورقة يعبث بها، أو صورة يقدح زناد ظلها ونورها.

لا يتذكر الآن ما الذي حدث بالضبط؟!

هل انقلبت الخزانة فوق رأسه؟ أم أن شيطانا رمى إليه بتلك الحقيبة من على ظهرها؟ أم هو الذي تسلقها باحثاً عن ذريعة لاستعادة ذلك الماضي والسير على دروبه الآفلة من جديد.

يحمل الحقيبة تحت إبطه، يتشبث بها كمن يعثر على كنز سري بعد أن دهم اللصوص بيته، يتلمسها بحنان، ينفض عنها غبار الزمن الموحش في حركة رتيبة هادئة تبدو أشبه بالاعتذار… ثم وبانفعال هستيري طائش، يفرغ كل ما في جوفها فوق السرير دفعة واحدة!

***

مهزوماً، وحيدا